مدينة مغمورة بالرمال تحتضن تاريخًا لا يزال يتنفس
تعرف على مدينة تانيس الأثرية .. عاصمة فرعونية منسية تحت الأرض
في دلتا النيل، شمال شرق مصر، وبالتحديد في محافظة الشرقية، ترقد مدينة تانيس الأثرية، واحدة من أعظم العواصم الفرعونية التي طالها النسيان. قد لا تحظى بالشهرة الواسعة مثل الأقصر أو الجيزة، لكن ما تخفيه تحت ترابها يفوق كل التوقعات. تانيس أو "صا الحجر" كما كانت تعرف قديمًا، هي مدينة لا تحكي فقط فصلاً من تاريخ مصر القديم، بل تكشف عن عاصمة ملكية كاملة، بناها الفراعنة وشيدوا فيها معابدهم ومقابرهم وتركوا بها كنوزًا مذهلة لم تُكتشف جميعها بعد.
عاصمة ملكية ودينية في العصور المتأخرة
ظهرت أهمية تانيس بشكل خاص في نهاية الدولة الحديثة وبداية العصر الانتقالي الثالث، عندما أصبحت مركز الحكم ومقر الأسرة الحادية والعشرين، ثم الأسرة الثانية والعشرين. هنا حكم الملوك، وأقيمت الطقوس، وتحولت المدينة إلى مركز ديني ضخم لعبادة الإله آمون. شُيّدت معابد عملاقة، وارتفعت المسلات والنقوش، ودُفن الملوك في مقابر ملكية داخل المدينة نفسها، في تقليد غير معتاد بعيدًا عن وادي الملوك في طيبة.
وربما أكثر ما يثير الدهشة في تانيس هو المقابر الملكية التي اكتُشفت بحالة جيدة نسبيًا، دون أن تمسها أيدي لصوص الآثار. توابيت من الفضة، ومجوهرات ذهبية، وأقنعة جنائزية وتماثيل مذهلة، جميعها دلائل على الثراء والقوة التي تمتعت بها هذه المدينة في عصورها الذهبية.

آثار لا تزال تحت الرمال تنتظر الكشف
رغم مرور عقود على أعمال التنقيب الأولى، لا تزال تانيس تخفي الكثير. المعابد المهدمة، والأعمدة المنقوشة، والمسلات المتناثرة وسط الرمال، كلها تشير إلى وجود مدينة فرعونية متكاملة لم يُكشف عنها بالكامل. الآثار المكتشفة حتى الآن تكفي لرسم صورة واضحة عن حجم المدينة وأهميتها، إلا أن أجزاء واسعة من الموقع لا تزال تنتظر جهود التنقيب والترميم.

وجهة واعدة للسياحة الأثرية رغم التحديات
في السنوات الأخيرة، بدأت تانيس تجذب اهتمام الزوار والباحثين، خاصة مع تكرار الاكتشافات الحديثة التي تتصدر عناوين الصحف الأثرية من حين لآخر. الطبيعة الهادئة التي تحيط بالموقع تمنح الزائر تجربة فريدة، بعيدة عن زحام المواقع السياحية الشهيرة، وتسمح له بالتأمل في تفاصيل الحضارة القديمة بهدوء وعمق.
لكن ورغم هذه القيمة التاريخية الضخمة، تواجه المدينة تحديات حقيقية، أبرزها الإهمال النسبي وضعف الترويج السياحي. بعض المعالم مهددة بالتآكل، والتمويل المخصص للترميم لا يزال محدودًا. ورغم وجود جهود حكومية متفرقة، فإن الموقع يحتاج إلى مشروع وطني شامل يعيد له الحياة ويضعه في مكانه الطبيعي ضمن خريطة السياحة الثقافية في مصر.
تانيس... قصة لم تُروَ بع
مدينة تانيس الأثرية ليست مجرد موقع قديم، بل شهادة حية على عظمة الفراعنة في عصور طالما ظُن أنها أقل أهمية. اليوم، ومع كل قطعة أثرية تُكتشف، تخرج المدينة قليلًا من ظلال النسيان، وتقترب من استعادة مجدها التاريخي. إنها عاصمة فرعونية منسية، لكنها لا تزال تنبض بالحضارة، وتدعونا لاكتشاف ما تبقى من أسرارها.





