جامع الحاكم بأمر الله.. جوهرة المعز في قلب القاهرة الفاطمية
يُعد جامع الحاكم بأمر الله أحد أروع وأقدم الجوامع الأثرية في القاهرة الفاطمية، حيث يقف شامخًا في شارع المعز لدين الله الفاطمي بحي الجمالية، ملاصقًا لباب الفتوح أحد أهم بوابات القاهرة التاريخية.
يمثل الجامع تحفة معمارية فريدة تجمع بين العراقة التاريخية والزخارف الإسلامية المميزة، ليظل شاهدًا حيًّا على عبقرية العمارة الفاطمية في مصر.

تاريخ الإنشاء والبناء
بدأ بناء الجامع بأمر من الخليفة العزيز بالله الفاطمي، لكن أعمال الإنشاء لم تكتمل في عهده، ليُكملها ابنه الخليفة الحاكم بأمر الله سنة 403هـ / 1013م، ومن هنا اكتسب المسجد اسمه الحالي.
ويمتاز تخطيط المسجد بتصميمه المستطيل الذي يضم صحنًا أوسط مكشوفًا تحيط به الأروقة من العمارة والتفاصيل الفنية
يُعد الجامع من أبرز النماذج المعمارية الفاطمية في مصر، إذ تتوزع على واجهاته صفوف من الشرافات الهرمية المدرجة ذات الطابع الجمالي الفريد.
كما يضم الجامع ثلاثة عشر مدخلًا متنوع التوزيع: خمسة في الواجهة الغربية، وثلاثة في الشمالية، وثلاثة في الجنوبية، ومدخلين في جدار القبلة.
ويضم المسجد أقدم مدخل بارز في عمارة مصر الإسلامية، يتكون من برجين ضخمين من الأحجار المصقولة يتوسطهما ممر طويل تعلوه قبوة نصف أسطوانية.
أما مئذنتاه الضخمتان فقد بُنيتا عام 393هـ / 1003م، وهما من أقدم المآذن الباقية التي تُمثل الطراز الفاطمي الأصيل.

الإصلاحات والتجديدات عبر العصور
شهد جامع الحاكم بأمر الله على مدار تاريخه الطويل العديد من عمليات الإصلاح والترميم.
ففي عهد الوزير بدر الجمالي وزير الخليفة المستنصر بالله عام 480هـ، تم تجديد أسوار القاهرة الشمالية لتصبح شاملة الجامع، بعد أن كان خارج حدود المدينة القديمة.
وفي عام 702هـ تعرضت مصر لزلزال قوي أدى إلى تصدع أجزاء كبيرة من الجامع، فتدخل السلطان الناصر محمد بن قلاوون ووزيره ركن الدين بيبرس لترميم المسجد، كما قاما بإنشاء خزانة كتب داخله وحفر صهريج في الصحن لتخزين المياه.
ثم جاءت مرحلة أخرى من الترميم في عهد السلطان الناصر حسن سنة 760هـ، حيث أعيد تأهيل أجزاء واسعة من المبنى وصيانته للحفاظ على طابعه التاريخي.

رمز ديني وتاريخي خالد
لا يُعد جامع الحاكم بأمر الله مجرد مكان للعبادة فحسب، بل هو رمز للهوية الإسلامية في القاهرة الفاطمية، وموقع أثري بارز يقصده الزوار والباحثون من مختلف أنحاء العالم.
ويتميز الجامع اليوم بمكانته التاريخية كأحد أكبر وأقدم المساجد الفاطمية الباقية في العالم الإسلامي، وكمنارة معمارية تشهد على ازدهار الفن والهندسة في ذلك العصر.





