صلاية نعرمر.. أقدم وثيقة لتوحيد مصر القديمة في المتحف المصري بالتحرير
تُعد صلاية نعرمر (حوالي 3100 ق.م) من أروع وأهم القطع الأثرية المعروضة بالمتحف المصري بالقاهرة، إذ تمثل شاهدًا فريدًا على واحدة من أعظم اللحظات في التاريخ الإنساني، وهي لحظة توحيد مصر القديمة تحت حكم ملك واحد، تُجسد هذه الصلاية بداية تأسيس أول دولة مركزية عرفها العالم، وجاءت لتخلّد انتصار الملك نعرمر، حاكم مملكة الجنوب (مصر العليا)، على مملكة الشمال، إيذانًا بقيامه بتوحيد البلاد تحت تاج واحد.
صلاية نعرمر.. أقدم وثيقة لتوحيد مصر القديمة في المتحف المصري بالتحرير
يُظهر الوجه الخلفي للصلاية مشهدًا شهيرًا للملك نعرمر مرتديًا التاج الأبيض (تاج الجنوب)، وهو يرفع مقمعته ليضرب عدوًا أسيرًا أمامه، في إشارة رمزية إلى النصر والسيادة. خلف الملك يقف حامل صندله، بينما يعلو المشهد المعبود حورس في هيئة الصقر ممسكًا برأس رجل من "أرض البردي" (الدلتا)، مما يرمز إلى إخضاع مملكة الشمال لسلطة الجنوب.
أما الوجه الأمامي، فيُظهر الملك نعرمر مرتديًا التاج الأحمر (تاج الشمال) بعد أن تم توحيد القطرين، وهو يتفقد صفوف الأسرى المذبوحين، في مشهد يعبر عن إحكام السيطرة والنظام بعد النصر. وتُحيط بمنطقة الطحن المركزية صورتان لقطتين بريتين متشابكتي العنق، في رمز فني يُجسد الفوضى التي استطاع الملك إخضاعها، ويُختتم المشهد في الأسفل بتمثيل الملك في هيئة ثور قوي يهدم حصنًا للعدو، دلالة على القوة الإلهية والحماية الملكية.
الرمز الديني والسياسي والفني
تعكس الصلاية مزيجًا فنيًا مدهشًا بين الرمز الديني والسياسي والفني، إذ استخدم الفنان المصري القديم التكوين والنقش البارز لتوثيق حدث سياسي عظيم في قالب فني راقٍ يعكس وعي المصريين الأوائل بفكرة الدولة والنظام، كما تعد من أقدم النماذج التي ظهرت فيها العناصر الفنية التي ميزت الفن المصري عبر العصور.
تبقى صلاية نعرمر حتى اليوم رمزًا خالدًا لبداية الحضارة المصرية الموحدة، ودليلًا ماديًا على عبقرية المصري القديم في التعبير عن القوة والسيادة والهوية الوطنية في آنٍ واحد، لتظل قطعة فنية خالدة تحمل ملامح فجر التاريخ المصري العظيم.
