بداية مهيبة لرحلة التاريخ داخل المتحف المصري الكبير
المسلة المعلقة.. تحفة معمارية تعيد إحياء التاريخ قبل افتتاح المتحف
قبل أن يخطو الزائر أولى خطواته داخل المتحف المصري الكبير، يجد نفسه في مواجهة لا تُنسى مع واحدة من أكثر القطع الأثرية تميّزًا وإثارة للدهشة: المسلة المُعلّقة، التي تُعد الأولى من نوعها على مستوى العالم من حيث طريقة العرض والابتكار المعماري.

ترجع هذه المسلة المعلقة بالمتحف المصري الكبير إلى عهد الملك رمسيس الثاني، أحد أعظم ملوك مصر في عصر الدولة الحديثة، والذي حكم البلاد لأكثر من 60 عامًا في القرن الثالث عشر قبل الميلاد. وقد تم اكتشاف المسلة في منطقة صان الحجر بمحافظة الشرقية، وهي مدينة كانت تُعرف في مصر القديمة باسم "تانيس"، وكانت مركزًا دينيًا وإداريًا هامًا في دلتا النيل.
تثبيت المسلة المعلقة
المسلة يبلغ طولها نحو 16 مترًا، وتزن أكثر من 110 أطنان، وهي قطعة ضخمة بُنيت من الجرانيت الوردي القادم من محاجر أسوان، وتُعد تجسيدًا للفن المعماري والدقة الهندسية التي وصلت إليها الحضارة المصرية القديمة.
لكن التميّز الحقيقي لا يكمن فقط في تاريخ المسلة أو حجمها، بل في طريقة عرضها غير المسبوقة، فقد تقرر تثبيتها فوق قاعدة زجاجية شفافة، بحيث يمكن للزائر أن يسير تحتها، ويرى ولأول مرة الجزء السفلي منها، بما في ذلك خرطوش الملك رمسيس الثاني المحفور بأسفلها، والذي ظل مخفيًا عن الأنظار لأكثر من 3500 عام.
نقل المسلة المعلقة إلي المتحف المصري الكبير
هذا التصميم الهندسي الذكي حوّل المسلة من مجرد عنصر أثري إلى تجربة بانورامية تفاعلية، تجعل الزائر يشعر وكأنه يكتشف النقوش بنفسه، وترتبط عاطفيًا ومشاهداتيًا مع القطعة، وهو ما يُضفي بُعدًا دراميًا وجماليًا فريدًا على لحظة الدخول إلى المتحف.
ويُعد هذا النهج جزءًا من رؤية المتحف المصري الكبير في تقديم الآثار المصرية بطريقة حديثة تتجاوز مجرد العرض، لتُصبح رحلة بصرية ومعرفية تأسر الزائر منذ اللحظة الأولى. كما أن اختيار وضع المسلة بهذه الطريقة عند مدخل المتحف، يرمز إلى بداية الرحلة الحضارية التي يمر بها الزائر، وكأن المسلة هي البوابة الزمنية التي تفتح أبواب التاريخ المصري القديم على مصراعيه.

ولم يكن تنفيذ هذا المشروع سهلًا؛ إذ تطلب تخطيطًا هندسيًا معقدًا ونظم تأمين عالية الدقة لضمان تثبيت المسلة فوق الزجاج بأمان كامل، مع الحفاظ على الأثر من أي عوامل بيئية قد تؤثر عليه. وقد أشرف على تصميم هذا الجزء من المشروع نخبة من المعماريين والمهندسين وخبراء الترميم المصريين والدوليين.
بهذه الإطلالة البصرية المبهرة، تتحول المسلة المعلقة إلى علامة أيقونية في المشهد الثقافي المصري، ومقدمة مهيبة لواحد من أضخم المشاريع المتحفية في العالم، مما يعكس الربط الذكي بين عظمة الماضي وطموح الحاضر.
