تحفة أثرية مدفونة منذ آلاف السنين
كهف الوحوش.. متحف ما قبل التاريخ المدفون في رمال الجلف الكبير
في عمق الصحراء الغربية المصرية، وتحديدًا في منطقة هضبة الجلف الكبير، وعلى مقربة من الحدود المصرية الليبية السودانية، يرقد أحد أقدم وأندر الاكتشافات الأثرية في تاريخ مصر: كهف الوحوش، والذي يعود تاريخه إلى ما يقرب من 7000 سنة، مما يجعله شاهدًا نادرًا على حضارات ما قبل التاريخ وأسلوب حياتهم وتصوراتهم للعالم.

اكتشاف تاريخي مبكر
تم اكتشاف الكهف لأول مرة عام 1933 على يد المستكشف المجري الشهير لازلو ألماسي، والذي خلد اسمه في كتب الاستكشاف بعد مغامراته في صحراء مصر.
ورغم معرفة موقع الكهف منذ ذلك الوقت، إلا أن محتواه الحقيقي ظل غامضًا لعدة عقود، حتى أعادت بعثة أثرية عام 2002 تسليط الضوء عليه بقيادة ماسيمو فوغيني، وجاكوبو فوغيني، والعالم المصري أحمد مستكاوي، حيث تم التوثيق الدقيق للرسوم التي يحتويها.

5000 لوحة من العصر الحجري
يضم الكهف ما يزيد عن 5000 لوحة جدارية مرسومة بأصباغ طبيعية بألوان حمراء، وصفراء، وسوداء، وهي لا تزال محفوظة بشكل مدهش رغم مرور آلاف السنين.
وتصور هذه اللوحات مشاهد يومية للبشر، بالإضافة إلى مخلوقات غريبة تتراوح بين الواقعي والأسطوري، مما يثير تساؤلات حول معتقدات وأساطير سكان المنطقة آنذاك.

لماذا سُمّي بكهف الوحوش؟
أطلق الباحثون على الكهف اسم " كهف الوحوش " نظرًا لاحتوائه على صور لما يبدو أنها مخلوقات غريبة وضخمة بأشكال لا تشبه الكائنات المعروفة، ما دفع بعض الباحثين لربطها بالأساطير أو حتى بتجارب إنسان ما قبل التاريخ مع قوى الطبيعة والروحانيات. وتظهر بعض الرسوم مخلوقات بأجسام بشرية ورؤوس حيوانات أو العكس، في مشاهد أقرب إلى الرمزية.
أهمية الكهف عالميًا
يُعد كهف الوحوش واحدًا من أهم مواقع الفن الصخري في العالم، ويقارن البعض بينه وبين كهوف "لاسكو" في فرنسا و"ألتميرا" في إسبانيا. لكنه يتميز بطبيعته الصحراوية النائية، التي ساعدت على حفظه، لكنه في الوقت ذاته يواجه خطر الاندثار بسبب عوامل التعرية وصعوبة الوصول إليه.
مستقبل الكهف والتوثيق الرقمي
بفضل الجهود الأثرية المتواصلة، تم البدء بمشروع توثيق رقمي ثلاثي الأبعاد للكهف للحفاظ على تفاصيله الدقيقة، خاصة في ظل صعوبة زيارته ميدانيًا. وتهدف هذه المشاريع إلى جعل الكهف متاحًا افتراضيًا للباحثين والزوار حول العالم.
يمثل كهف الوحوش صفحة نادرة من صفحات ما قبل التاريخ، ويُعد كنزًا مصريًا يجب الحفاظ عليه والتعريف به عالميًا، ليس فقط كأثر قديم، بل كدليل على عمق الإنسان المصري القديم وتفاعله مع محيطه المادي والروحي.

